12
أخيرا جاءوا ، وجاء المغص .. جاءوا خلف بعضهم ، وما أفلت أحد من قبضتهم .. لا يعرف ما الذى أحسه حين حدق فى وجه صابر لحظتها ، مما دفعه إلى معاودة النظر إليه . كان أقرب شبها بالضابط ، نفس الملامح ، نفس النظرات القوية . كانوا يدفعون شبابا إلى الحجرة الأخرى ، القريبة .. هناك ، يعلق المشبوه ، يدلى من السقف كذبيحة ، ويضرب ضربا مبرحا ، أحس بهزة قوية ، تسرى فى جسده ، على الفور اصطكت أسنانه :" يارب .. أنا رجل كبير .. هل ؟ يارب كن إلى جانبي .. ياحسين .. ياسيدة ياطاهرة .. يا أم العواجز .. يابه ".
اللطمات لا تنقطع ، قوية كالرعد تدوي ، ترجف بدنه الهزيل ، تدوي فتحط عليه هو .. وحان دوره ، حان دوره أخيرا ، سحب فأطاع طيبا كطفل وديع ، واجهه السيد ضابط المباحث ، سأله مناورا . رد عليه محاولا قدر إمكانه الحرص . لم يكن بليغا . هاج سيادته ، هجم عليه لاطما . مهانا لوى عنقه ، ودون تفكير :" أنت يادوب قد ولد من عيالي ".
لم تعجبه هذه اللهجة ، ثار ثانية ومنتفشا كطاووس كان يسدد لكمة متقنة إلى وجه محروس ، الذى تهالك إلى الخلف ، مصطدما بحوائط الرجال ، فأعادوه إلى قبضته !
كن تلقائيا هنا .. قصة / قصيدة / خاطرة
تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
-
11
ضبط يده على الحقيبة ، فجذبها بعيدا . هاهى ذي الأنظار تتجه إليه . يتحدث إلى أحدهم ، يكرر ما يقول حتى مله ، قيصرخ فى وجهه ، يتجه إلى آخر ، يتحدث إليه ، يعطيه أذانا صاغية - أول الأمر - يعود يكرر ما قاله ، فيمله ، يصرخ فى وجهه . فى نهاية الأمر ترابط محتميا بصابر ، فيهدئ من روعه . يكاد يسقط بلسانه ، فيبوح بما ينغص عليه ، يلطمه صوت أبيه الفاني ، يتمثل أمامه بشحمه و لحمه ، مكشرا فى وجهه :" خليك رجل ياولد .. إلى متى .. اكبر ياخرع ".
كان بوجهه المقطب ، و أنفه العظيم ، وشعره الأبيض ، صوته الأجش كموتور خرب .
اترك تعليق:
-
-
ذكريات فى ركام
تصرخ فى صدر الوجع
تشتل زهرات بلون الدماء
وتفتتل حصون البقاء
فى جباه الحزن
فتبكى خدود السماء طويلا
تمطر الوجد نشيجا
يطول رؤوس المدائن
تلك التى تنام فى دمها
على عظام ذويها
تئن تئن تئن
ليس غير صدور الأسى
بئرها طافحة بالمنايا
و أنا هنا .. كيف لى
أن أعبر ابكل هذا الانين
مسافرا عبر الورق و دم المحبرة بقايا من ركام يحن للثرى
لم يجف
و لن يجف
أينا الركام .. هىِ أم نحن ؟
من خلفتنا النوابض
تلك التواريخ التي نحتتها عميقا فى الخلايا
ذلك الفرح الذى يغتال المسافات ما بين رئة ورئة
أن أكون بين عينيها
وريحها المحلق كسحابة
أو كعبرة فارت دون إذن من أحد !!
أينا الركام .. قل لي ؟!
نحن الركام الذي يعوزه الثكل
الضائعون خارج التراب و القلوب
المدرجون بتلك الوحشة كاملة البهاء
المتلفحون بالعراء والظنون
القلوب الغافية على نارها
تبكي رمادها خارج التراب و اليقين !!
يايونيوس الكئيب حد الموت
أينا عاد من المعركة بلا خوذته
بلا فرسه الجموح
بلا ذاك النشيد يعانق أنفاسه
أنا أم هىِ
و أنت مولدي المسجل فى دفاتر الريح
ما بين رحيل و رحيل
و رمادي هنا
ينتظر ولادة لم يكن لها بشارة
لكنها شعت كما بؤبؤ السماء يتسع لليلة أسطورية !!
يايوينوس عد من حيث جئت
فأنا أنتمي للريح
و الركام الذى لا يهم أحد
و لا تلك التى تسكن الأوردة !!
اترك تعليق:
-
-
10
دنا منه صابر على حذر :" عيب ياعم محروس ، دول كلمتين ياخدوهم منك ، وتروح على طول .. أنت راجل طيب ".
مصمص شفتيه خالعا طاقتيه الصوفية ، ثم أخرج منديله المعبأ بالسخام ، مرره على وجهه :" ماذا أفعل .. كنت تعرف أنك حمار ، لم لم تهرب من أمامهم ، وليذهب الجميع إلى داهية ، خائف على البهائم ، ابسط ياعم ، سوف تنسى اسمك و بهائمك ، و أرضك ، ويتفرج عليك الخلق واحدا واحدا .ز خنسر يامحروس . كانت الترعة أمامك ، وزوجتك .. كانت العربة ، كنت تستطيع التخلص منه ، لكنك أحمق .. ماذا ستفعل ألآن ؟ و إذا ما رآك أحد و أنت تلقى به .. آه .. انتهى الأمر ، أصبحت قاتلا .. أيعقل أن يكون صابر هو القاتل .. لا .. لو أراد لفعل من زمن ، مر وقت طويل ، نعم فات وقت ، إنه يفتح بيتين الآن .. بيت أخيه و بيته ، فكيف يفعل ؟ لا .. إنه أحد اللصوص الذين يقتسمون معه أو قد تكون أنت !! ".
اترك تعليق:
-
-
9
:" خنسر له مقبض من العظم .. خنسر يامحروس ، و الذبيحة يأتى عليها خنسر ، ويشفيها خنسر .. قد يسألونك و أين الساطور يامحروس ؟ ستنكر بلا شك أين الساطور ؛ لأنك لم تمسك ساطورا إلى اليوم ، لكنهم لن يملوا ، لن يتعبوا معك ، ولن يصدقوك .. حاول أن تلقي به من الشباك أو تحت الأرجل.. آه لو شافوك ثبتت عليك التهمة .. خنسر ياويلك .. لعبة جميلة يامحروس ، فحين أزاغ عقلك ، وقررت سرقته من الجزار .. كنت فى العيد الكبير ، ولما فشلت من سرقته ، أعطاه لك الجزار عن طيب خاطر .. كان جميلا ، وكنت فى حاجة إليه لقتل أعواد السريس و الجلاوين و الخس ، وتقليم أظافرك .. وماذا أيضا يامنحوس ؟!".
يهيم فى فزعه ، يتدبر أمر الخنسر . كان القتيل بلا رأس ، بلا ذراعين ، بقدم واحدة ، وقد شفى كذبيحة ، و هذه أداة الجريمة :" خنسر يامحروس .. ألكي تقطع حبلا أو شحاطا تحمل خنسرا .. آتاك قضاؤك .. آه ".
يبكى العم محروس ابن الخامسة و الخمسين ، يبكي وسط أولاد صغار ، وفتيان قساة ، ومشبوهين عتاة .. يبكى ويروح يخبط رأسه فى الجدار خائفا حانقا .
اترك تعليق:
-
-
8
اتكأ بذراعه ، فاصطدم بشيء كان يملأ جيب الصديري . تذكر الشنطة التى ضحك بها ابنه على عقله حين عاد من العراق ، و التى يستعملها كحافظة ، على الفور تغير لون وجهه كلية ، استشاط رعبا ، اعتدل واقفا .. كيف يتخلص منها - هذه الحافظة التى تحوى إلى جانب المسلة و الدوبار أربعة قطع من فئة الخمسة قروش .. وخنسر - !!
:" آه .. ضعت يا محروس .. ضعت و لا أحد سمى عليك .. آن أن تتصرف بحكمة ، وكيف تواتيني الحكمة ؟ إنها كارثة .. كارثة ".
جذب الرعب المرتسم على وجهه نظرات الجمع المحشود ، فى هذه الحجرة الداخلية ، التى دائما ما يقال أنها تبكى طول الليل على من خرجوا منها فاقدى البصر أو العقل ، ومن فقدوا رجولتهم ، حتى أنك لترى نهارا آثار هذه الدموع على الجدران ساخنة لم تزل !!
اترك تعليق:
-
-
7
كان فى واد ، وهذه الكتل البشرية فى الوادى الآخر . كفاه منها نظرة واحدة ، سلطها على الجميع ، سرعان ما انكمش إلى الجدار ، وقد دفن وجهه بين راحتيه ، وألم قاس ينتشر فى جسده . رأى وجوها عرفها خارج المبنى ، وسمع عنها حروبا ، وحوادث سرقة وقتل ، ووجوها كانت قريبة جدا ، كانت إلى جانبه .
كان صابر ، هذا الرجل الطيب ، الذى ما سمع عنه إلا كل خير ، نعم هو جزار ، وهو حزين .. حزين وحده منذ اغتيل أخوه فى مقهى البيلى ، ومنذ ثمانى سنوات ، وهو وحيد .
يتذكر هذا الوجه البعيد ، يغوص فى الزمن، سرعان ما يلهبه قلبه فزعا على البهائم و الحمار و الأولاد ، الذين خلفهم ، وأرغموه على تركهم فريسة للسيارات ، لا يدري هل وصلوا بسلامة أم لا .
قدم له أحدهم كوبا من الشاى ، رفض .. أول كوب شاى يرفضها فى عمره ، رغم حاجته إلى بل ريقه الجاف . يطالع الوجوه مرة أخرى .
:" أليس عجيبا ياشملول .. فى حياتي الطويلة ما دخلت هذا المكان ، كنت أطالعه من بعيد .. بعيد فأجرى ، ومع رفاقي نروح نشتم العسكرى ، ونجرى .. أقرف من النظر فى مبناه.. ليس كرها ، بل خوفا .. ومن بعد كرهته ، حتى إذا ما دعتني الضرورة ألجأ بمن ينهى الأمر ، و أنا بعيد ".
أنا من البيت للغيط .. ما قلت إلا كلمة واحدة و لم أكن لأقصدها ، خرجت هكذا .. انفلتت من لساني ". يعطيه أحدهم سيجارة . ينتبه ، يتداخل فى بعضه مرتعشا . يبش فى وجهه معتذرا بعدم التدخين .
اترك تعليق:
-
-
6
لم يكن غيره ، كلهم كانوا يلبسون البناطيل و القمصان ، هو الفلاح الوحيد الذى خرج من الدنيا حمارا ، وما علمته الأيام و لا السنون ، أصبح أبا لرجال يدبون على الأرض ومع ذلك !
كان قاسيا فى لوم نفسه ، قاسيا .. وكانت العربة خانقة ، العرق ينبجس من كل جسده ، وتنفذ رائحة عرقهم عبر بدنه ، فيتراخى ، سرعان ما يندفع تحت الأقدام لالتقاط بعض من هواء رطب ، المخبرون يشكلون حاجزا من الحديد ، والبنادق الميرى مسددة إلأى صدور المشبوهين .. أخيرا صرخت فرامل العربة ، اندفع الجميع مسوقين تحت لطم الجنود ، والآليات ، إلى داخل المبنى المهيب !
اترك تعليق:
-
-
5
انسحبت العربة ، و انسحب الألم على امتداد جسده ، ولسانه لا يفتأ يردد ياولاد الكلب ، أنا اللي أستاهل .. أنا اللي أستاهل ". يؤنب نفسه ، ويلومها على غشمها ، يضحك على قلة عقله ، التى سوف تودي به قريبا وراء الشمس .. لقد داهموا الصغار ، على الجسور و القنوات ، فرددوا ببلاغة : لا نعرفه " وهكذا أفلتوا ، رغم علم الجميع ، صغارا وكبارا ، أنهم كاذبون ، فعلى مدى ثلاثة أيام ، وطرق السروح تتغير ، وتتبدل ، وعلى مدى ثلاثة أيام و مزارعو الزمام القريبون من المقابر لا يسرحون . لكنه وقع ، أوقعه سوء تقديره .
يتحسس قفاه المتوهج كجمرة ، واللطمات ماتزال تدوي ، وتصفر فى أذنيه ، مطأطئا يضع وجهه بين راحتيه بمسكنة ، وصوته يثقثق ، ورأسه تتطوح بغيظ ، سرعان ما امتلآت العربة ، و أصبح لا يجد هواء كافيا للشهيق !!
اترك تعليق:
-
-
4
عاد بعين زائغة يستميلهم :" أعدي العيال من الطريق ياسعت الباشا ".
أشار له بالسكوت ، وحاجباه و أنفه المعقوف ، وعينه الواسعة كصقر إفريقي تعطي أمرا للمخبر المتحفز خلفه ، بالتهام هذه الفريسة ، فالتهمها فورا ، وطرح العم محروس بلطمة أخرى على صاج العربة مكتويا ، وشفتاه تتوجعان بلفظة ظلت حبيسة :" ياولاد الكلب .. آه ياولاد الكلب ".
اترك تعليق:
-
-
أيتها اليمامة
السيف أعمى
و القلب ماعاد له احتمال
فلا تعذليني بضعفي
هاكم الأصوات تنعق للخراب
وقد كفاني ماجادت به روحك
و تناقلته اليمامات
وذلك الزرزور المحلق بغصنه القزحي
يعتلي سدرة الروح بما ملكت يمينه
من سنبلات خضر
وهن يابسات فى أزمنة القحط و غياب المعاني
أشهد الله يايمامتي
و تلك البطون التى لا تعرف الصدق
أني بك كثير .. كثير .. كثير !!
إليها و إليه حتى الرضا
اترك تعليق:
-
-
::
تباً لي..
كم أنا حمقــــاءُ!!..
ارتديتُهُ معكوسًا..
فذهبتُ إليك..
وكان..
{إنذارٌ كاذبٌ}
::
اترك تعليق:
-
-
::
دون سابقِ إنذارٍ..
أُنذرك للمرّة الألفِ بعد المِئةِ ألفٍ
أنّي أنا أيضا..
اشتريتُ حذاءَ غيـــابٍ !
::
اترك تعليق:
-
-
رأيتني ملقى
مهدر الدم و التاريخ و المعنى
بلا ورقة من جريدة حامضة
توارى سوءتي
وكنتِ قد حشدت قبائلي فيك
أشهرت ثأري فى الممالك
لتشرب الأرض بعض دمي
موصولا بالرضى
فلملمت طيب أنفاسك
فى صدري المكنون
ذاك الرحيق أحى بعضا مني
وأبقاني فى ذاتك الطهر
عصفورا لم يزل يغرد !!
اترك تعليق:
-
-
قال : لك الضائع مني
ولي ما بقى منها
فلا تمعني فى القدح
إن الروح تأبى الرواح
فاسكنى الضلوع
إلا واحدا
دعيه لنهر يروي عطش الأوردة
و إن كنت عازمة أمرا
فاسلكي آلاء ما أعطى الندى ذات وجد
و لا تعبري تلك
هى دمي
فلا تستنزفي القطرة من روحها
إلا بسلطان
كان لها .. لا أنتِ !!
اترك تعليق:
-
ما الذي يحدث
تقليص
الأعضاء المتواجدون الآن 267358. الأعضاء 3 والزوار 267355.
أكبر تواجد بالمنتدى كان 489,513, 25-04-2025 الساعة 07:10.
اترك تعليق: