مددت يدي الصغيرة لطائر بعيد ولما اقترب لم يكن إلا خفاشا حملني وحلّق نحو ليله التعيس.. !
كان كبوسا لبست له الثوب الأبيض.. وكم نخلط بين الأحلام والكوابيس ..!
في بيته فقدت كل أسناني الحليب .. ذبلت أزهاري حين سقاها بماء عينيه العكرة وبمطر السحابة السوداء التي تسكن جبينه!
كم دعاني للرقص على بلور لم يكن إلا أديم بحيرة-يقذفني فيها كالحجر- ومع الأغنية كنت أغرق ..وأغرق ..ولوا أني أغلقت المذياع الساذج لنُسيت في قاع الشقاء، أبحث عن رئة نقية تتحمل ألم التنهيدات ...!
يا نحلة الذاكرة الصور كثيرة
فأي واحدة تلسعين لتموتي بين ذراعيها ؟ !
افتحي الشباك صديقتي وطيري ..فوحده الشعاع يستحق أن تموتي فوق جفنه المضيء..!
لن أكتب عنه، فلم يبق لي سوى أوراق لا أريدها أن تصفّر .. ولا أريد لزهرة اللوز أن تسقط من سطوري !
بدأت حياة جديدة مع رجل آخر، رجل من نوع خاص، يحبني كما أنا، يزرع سنونوة في حديقة صباحي ونجمة خجولة في بستان مسائي ..! يحضنني بين ذراعيه... بين دفتّيه ..!
كتاب عليه اسمي ..كما هو بحروفه الأنثوية الصغيرة ، بنبضاته الهادئة والمضطربة، بتاء تأنيثٍ كانت تخجل أن تطلّ رأسها من نافذة الحروف، واليوم فُتِحت لها كل الستائر والأبواب لتشع شمسَ كبرياء ..وقنديلا على سور الزمن ليرشد العابرات في طرق كانت ظلاما ..عابرات كانت خطواتهن غبارا ...!
تاء التأنيث رفعت رأسها، واسمي صرت أصافح به كل من ألتقي، ..أما كنيتي فمع الوقت سقطت عندي من قاموس العار والخجل ..!
نعم سيدي سائق الأجرة أريد الركوب ..ونعم أنا مطلقة..!
"نعم سيدي ..نعم سيدتي ..أنا مطلقة! "
لكن لدي "كتاب" بل الكثير منه وبعضهم لم يولد بعد، وكلهم سيحملون اسمي المؤنّث الصغير وكنيتي الطريفة!
أهديه إليكم بكل محبة ..الصفحة الأولى تحمل صفعة والدي لي عندما علم أن ابنته تطلّقت بإرادتها ، والثانية فيها جلدات بسوطكم .-عذرا بسوط مجتمعكم الحكيم- لكن الثالثة فيها قُبلة الأمل، ومابعدها تورّد الحياة ..!
فاقرأني سيدي وارقص على وجنتيّ ..اقرأيني سيدتي واخلعي فراء النمر وانتزعي رصاصة الصياد ..!
لم أعد قطّة شاردة في مساء الأحاديث، ولا شبكة عنكبوت مهجورة في زاوية الوجود ... !
تمردت على قيود نظراتكم، وانتزعت من جسدي مسامير اليأس والخنوع .. وإن أردتم أن أصلب تكفيرا عن خطئي الجسيم، فليكن هذا في النور، لأن اسمي المؤنث الصغير لم يعد يطيق العتمة ولا خمار العادات التي تحجب نسائم الربيع..!
اقرؤوني وقولوا أنثى نجحت من دون "رجلها"، متمردة تجر سلاسلها فرحة، تقفز كالأطفال بعدما استرجعت طفولتها، كما استعادت أنوثتها وذلك من دون حمرة شفاه أو رشفة من قهوة أحاديث النساء ..!
-ماذا تقول سيدي ؟ لم تفهم جاء في الكتاب ؟
ولن تفهم لأن فيه شعر جاء على وزن الحرية، حكايا البطل فيها ليس ذكرا، وسطع فيها قمرا ليس شرقيا .. ولأنها تحمل اسما مؤنّثا ..وكنية ممنوعة من الصرف في أذهانكم!
أعتذر منك الأن، فعليّ الذهاب إلى عملي، فأنا صرت مديرة مدرسة للفتيات –مذكور هذا في الكتاب- صرت مربية جيل، سأعلّم الفتيات أن لا يخجلن من التاء الصغيرة، وأن لا يسرحن شعرها كدمية، أو يقلّمن أظافرها كعارضة أزياء، بل أن يفتحن لها أبواب المسؤولية والقرار..!
-نعم سيدي سائق الأجرة أنا وصلت ..ونعم كما ذكرت لك سابقا ..أنا مطلقة !!
اترك تعليق: